Tuesday, July 23, 2013

الوطن العمانية..د.فايز الرشيد

الرحلة البيلوروسية في عهدين
(الحلقة الرابعة)
: الأمهات البيلوروسيات يبعن فائض حليبهن الطبيعي للمواليد الجدد مقابل مبالغ مجزية وبإشراف مراكز صحية

oo o في مينسك يوجد أيضاً متجران كبيران (تسوم) و(غوم) ويتألف كل مبنى من عدة طوابق، ويحتويان على شتى أنواع البضائع، ويقعان على الشارع الرئيسي في مينسك وهو شارع لينين، وتقريباً في وسط المدينة.
الأسعار بشكل عام محددة من الدولة، ففي كل المحلات تجد سعر البضاعة هي نفسها ولا تختلف مطلقاً، هذه الجوانب مريحة في الدولة الاشتراكية، فلا مجال للتنافس بين هذا المحل وذاك، فالسلعة أيضاً هي نفسها، ولا مجال للتنافس على نوع البضائع باختلاف المحلات كما في العمل الخاص . وفي أسواق مدينة مينسك كانت توجد الثلاجات، الغسالات، أجهزة التليفزيون، الأجهزة الطبية، مختلف أنواع الأجهزة الكهربائية والأخرى اللازمة للبيوت. ولكن للأسف لم تكن من الأنواع الجيدة، ولذلك فإن طلبة أجانب كثيرون كانوا يتاجرون في سلع كثيرة، يحضرون معهم مسجلات، حواسيب، ساعات، ملابس ، سجائر، عطور ويبيعونها بأعلى الأسعار. من أفضل صناعات بيلوروسيا: صناعة الأخشاب وبخاصة المستلزمات المنزلية: غرف النوم، الكراسي، الطاولات، الأسرّة، الخزائن وغيرها، وكان الطلبة المتخرجون يحرصون على شراء هذه المنتجات الخشبية ويشحنونها إلى بلدانهم، فهي رخيصة الأثمان لأن شراءها يتم بالروبل (بسعر الدولار المصروف في السوق السوداء).
من أرخص البضائع في أسواق بيلوروسيا: ملابس وأدوات وألعاب الأطفال في مختلف أعمارهم، فيوجد محلات مخصصة لأغراض الأطفال ومنتشرة في معظم أحياء مدينة مينسك شأنها شأن كل المدن والجمهوريات الأخرى في الاتحاد السوفيتي.
تشكل النساء 60% 65% من حيث تعداد السكان بالنسبة إلى الرجال، ويعزون ذلك إلى موت نسبة كبيرة من الرجال البيلوروس في الحرب العالمية الثانية (وسنتعرض إلى هذا الموضوع لاحقاً).
المرأة وفقاً لقوانين بيلوروسيا، والتي هي قوانين اشتراكية، تقع على قدم المساواة مع الرجل في الحقوق والواجبات (باستثناء الخدمة العسكرية) وفي كثير من الأحيان تتفوق في الحقوق على الرجل، فهي المديرة، والطبيبة، والمسؤولة، والنائب في البرلمان، وهي العاملة في المؤسسات والمصانع. . . الخ.
كان منظراً حزيناً أن ترى النساء وهن يعملن في تعبيد الشوارع أو ورشات البناء أو في المناجم. . فتيات ونساء جميلات يعملن في مثل هذه الأعمال الشاقة. ربما يقول البعض : ان النساء المعنيات اخترن بأنفسهن هذه الأنواع من الأعمال نظراً للدخل الشهري العالي منها. . ونظراً لوجود مساواة حقيقية في المجتمع. . ولكن بغض النظر عن كل هذه التبريرات. . فإن من الصعب على النفس رؤية النساء وسط هذه الأعمال الشاقة.
امتيازات النساء أيضاً كبيرة، فالمرأة الحامل في شهرها السادس تأخذ إجازة حمل مدفوعة الراتب، وبعد الولادة وفي السنة الأولى من عمر الطفل، تأخذ الراتب كاملاً، وفي السنة الثانية ما نسبته 75% من الراتب، أما في السنة الثالثة فنصف راتبها الأساسي. أما الإجازات المرضية فهي للنساء والرجال مدفوعة الراتب. والولادة للنساء مجانية، تدخل المرأة المستشفى قبل أسبوع من موعد الولادة، يجري فحصها والجنين باستمرار، وتبدأ تهيئتها لتكون أمّاً، وتبقى حوالي أسبوع بعد الولادة في المستشفى، فيتم فحص المولود من قبل اختصاصيي الأطفال في كافة المجالات، ويجري التأكد من سلامة الأم، وبعد ذلك يجري إخراجها ومولودها من المستشفى.
الأطفال الرضع ينالون رعاية كبيرة في القوانين الاشتراكية (شأنهم شأن كل مراحل الطفولة الأخرى) فإذا كانت الأم تعاني من نقص حليبها الطبيعي لإرضاع الطفل، فإن مراكز معينة منتشرة في كل الأحياء، توصل إلى بيوت أمهات الأطفال الرضع زجاجات حليب طبيعي، يجري جمعها من أمهات لديهن فائض في الحليب الطبيعي ويتبرعن به مقابل مكافاَت مالية مجزية، وذلك بإشراف صحي من هذه المراكز. من ناحية ثانية، ففي الأسبوع الثاني من عمر المولود (بعد الخروج من المستشفى) فإن طبيب أطفال مختص يذهب يومياً لمعاينة المولود الجديد، تتناقص هذه المرات تدريجياً لغاية ما يكمل الطفل الستة شهور الأولى من عمره، وحينها تبدأ الأم في إحضاره إلى المركز المخصص للعناية بالأطفال بمعدل مرة كل أسبوعين، ثم مرة واحدة شهرياً.
دور الحضانة للأطفال كثيرة، وهي موجودة في مختلف أحياء المدن والقرى، وغالباً ما تستقبل الأطفال بعد سن السنة الأولى، فيندر أن تجد عائلة ترسل طفلها إلى الحضانة قبل نهاية سنته الأولى. أما رياض الأطفال فهي أيضاً كثيرة وتشمل كل المناطق الجغرافية في المدينة، وهي مجهزة تجهيزاً تاماً، وغالباً ما توجد فيها رمال وألعاب وأدوات تسلية وحدائق شاسعة المساحة وبرك سباحة وغيرها.
الحضانات ورياض الأطفال تبدأ دوامها في السابعة صباحاً وحتى السابعة مساءً. . حتى تتمكن الأم العاملة من إنهاء عملها. . وفيها عاملات يتمتعن بخبرات كافية في كيفية التعامل مع الأطفال. والاتحاد السوفيتي من حيث وجود رياض الأطفال فيه ووفقاً لإحصائيات المنظمات المختصة التابعة للأمم المتحدة، يعد من أكثر البلدان على مستوى العالم احتواء لها، ليس من حيث العدد مقارنة مع السكان، وإنما من حيث اتساع مساحاتها وتجهيزاتها. وقد زرت بنفسي رياض أطفال كثيرة في مينسك وتأكدت من حقيقة هذا الأمر، وفيها يتعلم الأطفال المرحلة التمهيدية قبل الدخول إلى المدارس ، ويتعلمون فيها كافة الألعاب الرياضية والموسيقى والرسم وغير ذلك، وتشرف عليها مؤسسات مركزية تابعة للجمهورية، وتبدأ الدولة بالتقاط إبداعات الأطفال في سن مبكرة. واذكر أن تجربة جرى تطبيقها في روضة محددة للأطفال ونشر عنها في وسائل الإعلام الرسمية البيلوروسة: وهي تدريس الأطفال في سن الخامسة مناهج الصفين الأول والثاني الابتدائيين، إضافة إلى لغة أجنبية واحدة، ونجحت التجربة.
الحضانات ورياض الأطفال مجانية في بيلوروسيا الاشتراكية، وكذلك يجري نقل الأطفال منها واليها مجاناً إضافة إلى وجبات الأكل والرعاية الطبية المجانية أيضاً.
كانوا يسمون الأطفال في جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً (الطبقة المرفهة)، وحقيقة الأمر أنهم كانوا يعيشون في رفاهية كبيرة: فبعد انتهاء السنة الدراسية. . تبدأ مؤسسة النقل في المدينة بتسيير غالبية حافلاتها لنقل الأطفال إلى معسكرات الاستراحة المخصصة لهم طيلة العطلة الصيفية، ويقضون فيها أوقاتاً ممتعة، وينمون فيها مواهبهم وهي غالباً تقع في الغابات القريبة من المدن، وفيها يظلون لفترة ثلاثة أشهر، ويتمكن ذووهم من زيارتهم أسبوعياً.
تربية الأطفال صحياً من أجل التعود على برودة الطقس تبدأ من الشهر الأول من عمر الطفل، فإذا كان الجو شتاءً يجري في اليوم الأول تعريض الطفل للجو وهو بلباس في بلكونة البيت (على سبيل المثال) فترة ثلاث دقائق، ومن ثم تبدأ زيادة المدة تدريجياً في الأيام والأسابيع التالية، وبعد ذلك تخرج الأم بالطفل في عربة للمشي وسط الثلج في إحدى الحدائق القريبة من البيت. . وهي عادة تتوافق مع صور تنشر في وسائل إعلام كثيرة لروس يحفرون حفرة في الأنهار والبرك المتجمدة شتاءً من أجل السباحة فيها، فهم وفي درجة حرارة تبلغ (20 تحت الصفر) يلبسون المايوهات ويبدأون السباحة، وقد رأيت مثل هذه المناظر بأم عيني. . ففي حديقة كبيرة بالقرب من سكني، تقع مجموعة من المسابح، التي تحول، في الشتاء إلى مسابح شتوية، كنت أذهب شتاءً إليها: فتوجد مسابح مغطاة ومياهها دافئة، وفي العادة يوجد مسبح يترك سطح مياهه للتجمد ويجري حفر مساحات صغيرة فيه، من أجل السباحة لمن يهوون هذا الشكل من السباحة ويتقنونه.
أما الحمامات الروسية. . فما أجملها في الشتاء، غالباً ما يذهب المرء إليها مع أصدقائه، حيث يقضون أوقاتاً سعيدة، فإضافة إلى درجة الحرارة العالية (الشبيهة بالساونا وهي الحمام الفنلندي) في الحمام، يجري تقريب بعض الأغصان الشجرية بأوراقها (وهي قريبة من الغار) إلى مصدر حراري ويتم ضرب جسم الإنسان بها من قبل صديقه أو من قبل العامل في الحمام، يصبح الجسم أحمر، وهي حقاً مؤلمة إن من حيث الضرب فيها أو من حيث حرارتها العالية، وبعد ذلك يجري الانتقال إلى بركة من المياه الباردة، ويتكرر الأمر لمن يحب. ويوجد في الحمام مقصف يقدمون فيه كافة أنواع المشروبات وبخاصة البيرة. . حيث يخرج الإنسان من الحمام وهو بحاجة إلى النوم، لكن درجة النشاط في اليوم التالي تكون أكثر من كبيرة، ويستمر نشاط الجسم بضعة أيام أخرى.
الصفوف المدرسية في بيلوروسيا تبلغ اثني عشر صفاً مقسمة إلى 6 سنوات ابتدائية و 3 إعدادية و 3 ثانوية، ويقبل الطالب للمدرسة في سن السادسة من عمره، الدراسة في بيلوروسيا إلزامية وهي في مختلف المراحل مجانية، ويجري توزيع الكتب على الطلاب مجاناً. أما بالنسبة لدخول الجامعات، فالتنافس هو المقياس ، وتراعى خيارات الطلبة، ويجرى أيضاً امتحان الدخول للجامعة في المواد المرتبطة بالتخصص الذي يريده الطالب، فلأجل دخول كلية الطب (مثلاً) يجري امتحان للطالب قبل دخوله وتسجيله في مواد الفيزياء والكيمياء والأحياء وإن لم يتمكن الطالب من النجاح في المرة الأولى، فبإمكانه التقدم للامتحان في السنة التالية.
الطلبة في الجامعات يتلقون منحاً من الدولة كانت تبلغ حوالي 60 دولاراً شهرياً، إضافة إلى تأمين السكن المجاني لمن هم من خارج المدينة التي تتواجد فيها الكلية أو الجامعة.
كثيرون من خريجي المدارس الثانوية يدرسون في معاهد دراسية تكنيكية وغيرها لمدة سنتين أو أربع، حيث يتعلمون المهن المختلفة، ومن يريد منهم مواصلة الدراسة الجامعية يستطيع التجسير، ولكن بالطبع ضمن شروط خاصة من حيث الدرجات الدراسية العالية.
في الحقبة الاشتراكية. . لم يكن هناك باحثون عن عمل مطلقاً في بيلوروسيا، فيجري تعيين أماكن العمل للخريجين قبل تخرجهم، ويستطيع الخريج الامتناع عن قبول الوظيفة المحددة له، ولكن عليه في هذه الحالة تقديم الطلبات شخصياً في البحث عن عمل. وكما سمعت. . فإن الواسطات تلعب دورها في تحديد أماكن العمل في بعض الأحيان. . لكن الواسطة لم تكن ظاهرة عامة في مينسك.
وبالعودة إلى أوضاع المرأة في بيلوروسيا، إبان الحقبة الاشتراكية، فكون المرأة منتجة بالمعنى الاقتصادي، فإن ذلك يلعب دوراً في بلورة شخصية المرأة، وهي أثبتت كفاءاتها القيادية في مختلف المجالات. . وبالتالي فإن المرأة في الحياة الزوجية هي بمثابة شريك حقيقي للزوج وليس تابعاً، وتؤكد على ذلك مجموعة القوانين الاشتراكية المختصة بهذه المسألة. الحرية بالنسبة للمرأة موجودة بنفس المقدار المتوفرة فيه للرجل، وأجواء المدينة هي غير أجواء القرى والمناطق الريفية.
وبعد بلوغ الشاب والفتاة سن الثامنة عشرة، يعتبر كل منهما المسؤول عن تصرفه، ولا يستطيع الأب أو الأم لوم الفتاة لأنها تأخرت مع صديقها في الليل مثلاً، ففي حالة تهديدها; بإمكانها إحضار الشرطة لهما. لا يعني ذلك أن كل الفتيات في مينسك على نفس الشاكلة، فالتربية المنزلية تلعب أيضاً دورها في تهذيب عقول الشباب. . لكن ذلك لا ينفي وجود الحرية المطلقة لهم في مجتمع مفتوح على كل شيء.
تمتاز بيلوروسيا بجمال فتياتها من بين الجمهوريات السوفيتية الأخرى، فهن خليط من أصول عرقية تاريخية مختلفة، فالطول واتساع العينين والشعر الأشقر، والجسم المتكامل المتناسق. . واللون الأبيض الجميل وملامح الوجه الناعمة هي سمات مشتركة للفتيات في بيلوروسيا والعلاقة بين الشباب والفتيات مثلما ذكرنا مفتوحة.
والتعرف على الفتيات يجري في المدرسة والجامعة، وفي محلات السكن وفي المقاهي والحدائق وحتى في الشوارع. والفتيات البيلوروسيات ينظرن بإيجابية تجاه الشباب الأجانب، فالعنصرية غير قائمة في المجتمع الاشتراكي، وكثيرات منهن يفضلن الزواج من الأجانب. . باعتبار ذلك هو مفتاح الخروج من بيلوروسيا لرؤية العالم، فمن دون هذه الوسيلة، من الصعب تحقيق أحلامهن بالسفر، غير أن ذلك لا يعني أن كل علاقة زوجية لفتاة بيلوروسية من أجنبي هي علاقة مصلحية! فالعلاقات الاجتماعية الإنسانية هي أوسع وأكبر من ذلك بكثير.
الشباب يقضون أوقات الفراغ لديهم في مجالات مختلفة ومنها الرقص في أماكن للديسكو كانت تفتح أبوابها حتى الحادية عشرة ليلاً، شأنها شأن كل المطاعم والمقاهي الأخرى المنتشرة بكثرة في مدينة مينسك. أما حول المهنة الأقدم في التاريخ وهي الدعارة ففي الحقبة الاشتراكية كانت موجودة على نطاق قليل وبالسر فعلاً، وكانت مقتصرة على الفنادق التي ينزل فيها أجانب فقط، ويقال. . أن غالبية تلك الفتيات كنّ تابعات في الحقيقة للأجهزة الأمنية البيلوروسية. . بهدف مراقبة الأجانب الذين يأتون إلى بيلوروسيا في مهمات ولأغراض مختلفة.
الزواج في بيلوروسيا يجري تسجيله كزواج مدني في مقر الهيئة المخصصة لذلك (الزاكيس ) وتقتصر إجراءاته على تقديم طلب مشترك من قبل الشاب والفتاة، ومن ثم يجري تحديد يوم الزواج، الذي يبدأ في مقر الهيئة بحضور الأهل والأصدقاء للطرفين. . ثم يذهب العروسان لوضع باقة من الزهور على ضريح الجندي المجهول في ساحة النصر على شارع لينين في وسط المدينة، ثم يجري العشاء بحضور المدعوين في مطعم.
أما الزواج في الجمهوريات الإسلامية التي كانت تابعة للاتحاد السوفيتي فيتم بالشكلين المدني والديني (وبمهر) يسجل سراً في كل الحالات. من أكبر نسب الطلاق في العالم كانت البلدان الاشتراكية، وبضمنها الاتحاد السوفيتي بجمهورياته المختلفة ومنها بيلوروسيا، ويعزون الطلاق لأسباب كثيرة منها: مشكلة شرب الكحول (وسنتطرق إلى هذه المسألة) وطبيعة العمل وساعاته الطويلة. . الخ.
ولكن من زاوية أخرى. . فإن القوانين الاشتراكية تشجع بناء العائلة والإنجاب. . فكلما زاد عدد الأطفال في العائلة تكبر التسهيلات لها: شقة أوسع وبعدد من الغرف أكثر، إضافة إلى رواتب شهرية مجزية، وميداليات تقدم للأم ومنها ميدالية (بطل الاتحاد السوفيتي)، والتي لا يجري تقديمها إلا إلى الكبار المبدعين، في المجالات المختلفة وقادة الجيش والدولة والحزب ممن قدموا خدمات جليلة لبلدهم.
بالمعنى الحياتي الفعلي، فقد عملت الاشتراكية على تأمين المتطلبات والحاجات الرئيسية للناس : الأكل، السكن، العلاج، دراسة الأبناء، العمل، المواصلات، الشيخوخة، الحياة الثقافية، النوادي الرياضية وغيرها.
السكن: تعطي الدولة لمن يريد الزواج (وبعد إتمامه) شقة صغيرة تكفي أيضاً لطفل أو طفلين، أما العائلات الأكثر عدداً فتعطى شققاً أكبر. الشقق تبنيها الدولة في خطة إسكانية مدروسة وتسجل بأسماء مالكيها، وتعطى مجاناً للناس مع دفع رسوم رمزية سنوية بسيطة، أما كيفية الحصول على الشقق فتتلخص في التالي: يسجل من يريد الحصول على شقة، اسمه في قائمة في الهيئة المعنية بتوزيع الشقق، وقد تستمر المدة ما بين التسجيل والحصول على شقة سنة أو بضع سنوات، يستثنى من الدور في القائمة: المقبلون على الزواج، العائلات كثيرة الأطفال، بعض الحالات الإنسانية الخاصة مثل حالات الطلاق وغيرها.
ويلزم لمن يريد شقة أن يكون مسجلاً في المدينة أو البلدة أو القرية التي يريد فيها امتلاك الشقة، أما في حالات النقل من مدينة إلى أخرى فهي عملية صعبة، إذ يجري التسجيل السكني أولاً في المدينة الجديدة، وهذا لا يتم إلا بإثباتات، بأن هذه المؤسسة أو تلك بحاجة إلى الشخص المعني، وبعد إتمام ذلك يسلم هذا الشخص شقته في مدينته القديمة إلى الدولة على أساس استلامه لشقة في مكان سكنه الجديد.
الكهرباء والمياه والغاز والتدفئة تصل الشقق ضمن تمديدات مركزية مناطقية تقوم بها الدولة بالطبع، ويجري جمع أثمانها من ساكني هذه الشقق، وفقاً لعدد أفراد العائلة، وليس اعتماداً على الكمية المصروفة. وهي أثمان بسيطة. تكلف جميع هذه الخدمات المؤمنة كل عائلة مبلغاً من المال يتراوح بين (5-10) روبلات أي بقيمة 7-14 دولاراً أميركياً. . أي أنها بالفعل تعتبر مجانية، مع العلم أن الغاز يصل إلى البيوت بالأنابيب، والتدفئة المركزية تعمل طيلة فصل الشتاء، أما المياه الساخنة للحمام وللاستعمال المنزلي فتظل طيلة العام، إضافة إلى الكهرباء والمياه الباردة بالطبع. أما بالنسبة للحصول على الهواتف، فقد يستغرق ذلك مدة طويلة تتراوح ما بين السنة الواحدة إلى سنتين.
وبالنسبة لغسيل الملابس ، فإلى جانب وجود الغسالات الكهربائية المنزلية، يوجد في كل حي تقريباً (مغسلة) وهي عبارة عن عدة طوابق مملوءة بماكنات الغسل والتجفيف والكّي، وتستطيع ربة البيت غسل ملابس عائلتها فيها وبأسعار بسيطة.
تسليم الشقق للمواطنين يجري على قاعدة أن تعمل الدولة على بناء شقة منفصلة لكل عائلة، ففي مراحل الخمسينيات والستينيات كانت أكثر من عائلة تسكن الشقة الواحدة الكبيرة، وهذه المسألة خلقت إشكاليات كبيرة للدولة وهي أولاً وأخيراً بعيدة عن الجوهر الإنساني تماماً.
أما بالنسبة للعلاج، فهو مؤمن لكافة المواطنين مجاناً، في عيادات ومراكز علاجية موجودة في كافة أنحاء مناطق بيلوروسيا، ومستشفيات منتشرة في كل أنحاء مينسك والمدن الأخرى، ومستشفى مركزي أيضاً على مستوى الجمهورية. صحيح أن غرف المستشفيات تحتوي على عدة أسرّة وهناك عدد قليل من الغرف المنفردة، إلا أن العلاج كان يجري على أكمل وجه للجميع. وبالطبع لا يوجد مستشفيات أو عيادات خاصة.
الجامعات والمعاهد المختلفة منتشرة تقريباً وموجودة بشكل كاف، في غالبية المدن الرئيسية في بيلوروسيا، أما المدارس ورياض الأطفال والحضانات فتشمل البلدات الصغيرة والقرى والمناطق الريفية أيضاً.
المواصلات أيضاً مؤمنة وهي شبه مجانية بالفعل، فامتلاك (كارت) شهري لكل أنواع المواصلات طيلة شهر يكلّف الفرد ما قيمته (6 روبلات) أي (8 دولارات اميركية)، أما ركوب الحافلة أو المترو وكل وسائل المواصلات الأخرى فيكلف في كل مرة ما قيمته (5 فلوس ) وفي بيلوروسيا فإن الحافلات لا يوجد فيها كونترول للتأكد من دفع الركاب للأجرة، الذين يمكنهم أنفسهم من قطع التذاكر ووضع أثمانها في الصندوق المخصص لذلك، ولكن في بعض الأحيان تجري حملات تفتيشية للتأكد من دفع الركاب للأجرة. كثيرون من البيلوروس ممن يمتلكون سيارات خاصة، كانوا يتركونها في الكراجات وخاصة طيلة فترة الشتاء، ويفضلون استعمال المواصلات العامة لسهولتها وسرعتها ورخصها أيضاً.
امتلاك سيارة خاصة في بيلوروسيا مسألة فيها صعوبة بعض الشيء. . فإضافة إلى الثمن الغالي (4-6 اَلاف روبل) فهي مقتصرة على السيارات السوفيتية فقط من نمط: لادا، جيغولي والأخرى الشبيهة بها. . وهي سيارات صغيرة عائلية، أهم ما فيها أنها مصنوعة للسير في أجواء الاتحاد السوفيتي الباردة شتاءً.
يوجد شبكة شاملة من السكك الحديدية والقطارات المنتظمة التوقيت لربط كافة أنحاء بيلوروسيا بعضها ببعض ، ولربط مينسك العاصمة بكافة المدن السوفيتية الأخرى، وبخاصة موسكو.
أما بالنسبة للنقل الجوي ففي مينسك وفي غالبية المدن الرئيسية الأخرى توجد مطارات محلية، أكبرها في مينسك وتحتوي على مطارين، أحدهما بدأ التخطيط لتوسيعه في نهاية الثمانينات ليكون مطاراً دولياً.
لم يكن يوجد شركة خاصة بيلوروسية للملاحة الجوية، فقد كانت الايروفلوت الخطوط الجوية السوفيتية تغطي كل الجمهوريات الداخلة فيه.
الطائرات التي كانت تستعمل للنقل الجوي هي فقط الطائرات السوفيتية. كانت شبكة من الحافلات (البولمان السوفيتية) تربط أيضاً بين المدن المختلفة وكافة المناطق البيلوروسية.
بالنسبة للشيخوخة، فكما قلنا هي مؤمنة للناس ، فالراتب التقاعدي يظل للإنسان طيلة حياته، ويمكن للمتقاعدين أن يبحثوا عن عمل اَخر إضافي، وهناك دور رعاية للمسنين منتشرة في كافة أنحاء بيلوروسيا ترعى المسنين الذين يتخلى عنهم أهلوهم.
أما بالنسبة لرب العائلة الذي يتوفى، فيجرى تسليم راتبه إلى عائلته، حتى وصول أصغر أبنائه إلى حالة (منتج) أي أن يكون له عملاً.
العمال كانوا يتقاضون أعلى الرواتب في بيلوروسيا الاشتراكية، وأعلى رواتب كان يتقاضاها عمال المناجم، ومستوى دخل العامل كان يحدد بما قيمته (500-700) دولار شهري، وهذا أعلى من راتب أستاذ الجامعة أو الأكاديمي الذي كان يحدد بما قيمته (300-400) دولار في الشهر، وللعمال الحق في الانتقال إلى مواقع عمل أخرى، ولهم إجازات سنوية مدفوعة الراتب، ويسافرون فيها إلى أماكن مخصصة للراحة كالمنتجعات والمصايف والبيوت الشتوية المنتشرة في كافة أنحاء الاتحاد السوفيتي، والتي تتوفر فيها كافة الإمكانيات العلاجية أيضاً وبمبالغ مالية بسيطة لا تتجاوز الخمسين دولاراً عن الشهر. يمكن القول بالفعل أن الدولة الاشتراكية هي حقاً دولة العمال نظراً للامتيازات الكبيرة التي يتمتعون بها.
وعلى صعيد الصناعات البيلوروسية فأبرزها هي التراكتورات الزراعية، فبيلوروسيا كانت المزود الرئيسي بها لكافة جمهوريات الاتحاد السوفيتي، فهي متينة وعملية ومتنوعة الأحجام وأثبتت كفاءاتها العالية في مختلف التضاريس والأجواء المتنوعة، ومصنعها يحتل مساحة شاسعة في الجزء الجنوبي الغربي من مدينة مينسك، وإلى جانبه يوجد مصنع للسيارات.
أما بالنسبة لتصنيع الأجهزة الأخرى الكهربائية والطبية وغيرها، فيوجد تصنيع لها في بيلوروسيا (مثلما ذكرنا) لكن مشكلة هذه الأجهزة تكمن في كبر حجمها، وبطريقة إنهاء شكلها الأخير. . فهي ليست ناعمة على شاكلة مثيلاتها من الأجهزة الغربية. ويؤخذ على الدول الاشتراكية بشكل عام اهتمامها الزائد والكبير بالتصنيع الثقيل في ميدان الفضاء والأسلحة المختلفة والطائرات، وعدم اهتمامها بالصناعات الخفيفة التي تلبي روح العصر واحتياجات الناس وأذواقهم.
بيلوروسيا (شأنها شأن كل جمهوريات الاتحاد السوفيتي) كانت تهتم بالثقافة وكل ما يتعلق بها. فطباعة الكتب في المجالات المختلفة كانت كبيرة، هذا إضافة إلى ما يصلها من الكتب المطبوعة في موسكو وعموم روسيا وكافة الجمهوريات السوفيتية الأخرى، فالكتب رخيصة الأثمان، فأي كتاب لا يتجاوز الثلاثة دولارات في أغلى الأحوال، ولذلك انتشرت عادة القراءة بين البيلوروس ، فكنت تراهم في المترو وفي الحافلات وفي القطارات وفي الحدائق وهم يجلسون، ويفتحون كتباً يقرأونها.
أما دور السينما فهي منتشرة في كل أنحاء مدينة مينسك، كما يوجد فيها المسارح الكثيرة، التي تؤدى فيها المسرحيات المختلفة. كما يوجد مسارح لفن الباليه وفن الأوبرا وقاعة وطنية لعزف المقطوعات الموسيقية. ويوجد مبنى لسيرك، ويوجد فيها أيضاً المتحف الوطني. . والذهاب إلى كل هذه الأماكن يجري بكلفة بسيطة، وهو بمتناول يدي كل من يريد حضور نشاطاتها. ولقد روعي في بناء هذه الأماكن الطابع البيلوروسي المنظم في العمارة، وهو مزيج من الطرازين البيزنطي والغربي ولكن في إطار حديث. فهي مريحة وواسعة من الداخل مع المنظر الخارجي الجميل والخلاب، ولقد جرى إعادة إعمار مدينة مينسك في أعقاب الحرب العالمية الثانية بعد أن دمرت قوات الاحتلال النازي ما نسبته 96% من مبانيها. ولقد روعي أيضاً في إعادة الإعمار الأشكال القديمة للأبنية، بحيث عاد معظمها إلى أشكالها السابقة، مع مراعاة تقسيم المدينة إلى أحياء سكنية مختلفة، بحيث تكون كافة احتياجات الحي الواحد موجودة فيه، إضافة إلى إحاطته بمساحات زراعية واسعة (حدائق) إلى جانب وجود حدائق مركزية كثيرة في المدينة، فإحدى أهم إيجابيات الاشتراكية هي إيلاؤها هذه المسألة اهتماماً كبيراً.
تنتشر في مينسك أيضاً الأندية الرياضية الكثيرة لمختلف الألعاب، والقاعات الرياضية موجودة بكثرة وتقريباً في كل الأحياء. كما توجد أيضاً معاهد لتعليم كافة الأنشطة والألعاب ومختلف أنواع الفنون: الباليه، والرقص على الجليد، الموسيقى. الاشتراكية كانت تشجّع الرياضة، والتي هي فعلاً في متناول الجميع.
أما بالنسبة للأندية الرياضية. . فلها نشاطاتها المحلية. . لكن، كان يغلب عليها الطابع السوفيتي. . فالرياضة على مستوى الاتحاد السوفيتي كانت تطغى على الأنشطة المحلية، فالكفاءات والمواهب الرياضية الحقيقية كان يجري أخذها من الجمهوريات المختلفة، وضمها إلى الأندية السوفيتية في المجالات المعنية، ويوجد في مدينة مينسك (ستاد) كبير للرياضة ويقع في منتصف المدينة.
ويمكن أيضاً للناس أن يقضوا أوقاتهم في المطاعم الليلية، التي تفتح أبوابها من السادسة مساءً وحتى الحادية عشرة ليلاً، وبأسعار في متناول الجميع بتكلفة (6-7) دولارات اميركية للشخص الواحد، ولذلك ترى ضغطاً هائلاً على هذه المطاعم التي تعزف فيها فرق موسيقية يشاركها مغنون محليون، ولذلك يلزم الحجز فيها مسبقاً (في الصباح أو المساء من نفس اليوم) ويشتد الضغط عليها في أيام السبت، أما بالنسبة للطلبة الأجانب ولبعض البيلوروس فغالباً لا يحجزون، بل يعتمدون طريقة وهي رشوة الحارس ، الذي يسمح للناس بالدخول إلى المطعم، طبعاn باتفاقه مع إدارة المطعم أو النوادل (بدفع بضعة روبلات لا أكثر)، وفجأة تصبح هناك محلات، بعد أن يجري الاعتذار للواقفين في الطابور، والذين لم يتمكنوا من الحجز المسبق.
ويمكن للناس أن يذهبوا لقضاء أوقاتهم في مقاهي ومطاعم الفنادق الكثيرة والمنتشرة في مينسك، إضافة إلى أنه يمكن استئجار غرف للساونا فيها وبملحقاتها من المسابح المنفصلة الصغيرة للعائلات، بما يضمن خصوصية كل عائلة وانفصالها عن الأخرى. . ورغم تجوالي في كثير من البلدان لكنني لم أر في مطلق بلد خدماتٍ تقدم على هذا الشكل سوى في بيلوروسيا. . فغالباً ما كنت أذهب إليها حينما تأتي عائلتي لزيارتي في مينسك من دمشق

No comments:

Post a Comment