Thursday, July 11, 2013

داريوش شايغان


سهراب


سيبدو لنا بان الشاعر يعيد إنتاج النشيد الدائم الحضور للإلهة (اناهيتا) الحارسة القديمة للماء في إيران, لهذه الأرض الشديدة الغيرة من دموعها, ألا يلقي ذلك على عاتق الشاعر استخلاص المادة الكريمة بجهود صبورة وأدعية مستمرة. وللعنصر المائي لدى سبهري علاقة باللون الأخضر, وليس مصادفة أن يكون عنوان اجمل مجموعاته الشعرية (الفضاء الأخضر) فاللون الأخضر للنبوة المحمدية هو أيضا فيض الغلة الخصبة للطبيعة, هناك حيث تنبت الشجرة ينمو العشب ويتفجر البذر النائم من الأرض, وهو الاستقبال الرطب لواحة فيها يتزاوج الماء والخضرة ليصبحا رمزا لكل حياة كما لكل بعث.

إنها ارض (اكسفارناه) حيث لجأ ذات زمان زرادشت, وهي أيضا الجزيرة الخضراء الواقعة في البحر الأبيض على قمة الجبل العالي حيث ينبثق نبع الماء المندفع تحت شجرة عملاقة. وهناك أيضا المعبد حيث اختفى الإمام الغائب, سيد الزمان, والذي سيأتي في آخر الزمان ليختم دائرة عيوننا. الماء والخضرة هما المصدران اللذان ينهل منهما طفل الصحراء بنظرة صافية كالماء, وخضراء كالأراضي الأسطورية للخيال يكتشف سبهري النعاس الكوني الذي يضم الواقع الراهن, وهذا النعاس (الأخضر كحلم الإله) هو ما يعنيه عندما يقول لجميلة عزلته:

حينها

احك لي قصة القنابل التي تساقطت أثناء نومي,

والخدود التي بللها الندى ساعة غفوتي,

وكم من البطات عبرت فوق البحار

وهذه الأوقات المضطربة,

حيث تعبر سلاسل المدرعات أحلام الأطفال,

أخبرني: تحت أقدام أي ملجأ أوثق الكناري الخيط الأصفر لغنائه.

وراء خلفية عصرنا يتفتح العمق السحيق لنعاس الشاعر الذي يشبه (مايا) فيشنو:

النائمة على سريرها الثعباني, ترى في خيالها تفاهة الحالة البشرية التي تتفجر كالفقاعات على محيط المياه الأولى.

والى هذه النظرة المليئة بنعاس سحري يجتمع ملمح آخر ألا وهو الفكاهة. فكاهة تتكون من سخرية وشفقة, فكاهة تدين السخف الملازم لأكثر عاداتنا اكتسابا وعادية, وما يثيره الحدث الأكثر تفاهة من سخرية متأصلة مثل (هذه البقرة التي شبعت من رعي النصائح) أو (البغل المحمل بالحكم والأمثال العقيمة) أو (الجمل الحامل على ظهره سلة مليئة بالمفاهيم الفارغة) أو هذا اللاهوتي الكتابي الذي يصارع رغما عنه إناء خزف يفيض أسئلة معلقة. بإيجاز أنها كل المواعظ المجانية التي نسرف فيها بلاتمييز, كل(المفاهيم الأخلاقية) التي نفرضها على أقاربنا معتقدين أنفسنا اكثر حكمة منهم. كل الحكم والأمثال اللامجدية التي نؤلفها من جانب إلى جانب, معتقدين حلنا للغز الكون.

لان النصائح التي تكثر من أكلها النفس تشبعها وبتخمة, وهو إشباع يحتوي على خوار ثقيل لبقرة مثلما السلة مليئة بالمفاهيم الفارغة, مع اعتقادنا بإصلاح ذواتنا, إلا أنها تبقى خاوية ولا معقولة في جوهرها , لأن كل معيار أخلاقي يبقى دائما محدودا بنظرتنا إلى العالم, وإذا اعتقد اللاهوتي بحل كل الإشكاليات في عالمه المصنوع من معتقدات مسبقة, فانه يبقى صحيحا بأنه يصطدم باستمرار كذلك بإناء الخزف المليء بالأسرار التي حين تسقيه تتركه عطشانا.

إذا بقي عمق لعبة العالم هذه حلما يتبخر كفقاعات الصابون, لماذا لا يكون ما فوق الواقعي واقعيا, واكثر واقعية من العالم المألوف للواقع ? ألم يعلمنا شاعر كنوفاليس بان الشعر اكثر واقعية من الواقع? فالواقع ليس كما هو كائن بل كما يتجلى لنا, وهذا التجلي يعتمد من جهة أخرى على المستويات المتفاوتة لحضورنا أمام الأشياء. بمعنى آخر, يعتمد الواقع, إما على عتمة نظرتنا, وإما على شفافية التجلي والذي بتوسعته اللامتناهية لحقل الاحتمالات يكشف عن الإجابات العليا تاركا إياها من جهة أخرى تبدو كما هي.

هل يخضع مثل هذا التجلي حتميا لذات الشروط المكانية والزمانية التي تتحكم في الحالة المدهشة لعالمنا الحساس

No comments:

Post a Comment