Saturday, October 24, 2015

الزجاج المحطم


 
الزجاج المحطم»، وهي مسرحية أرثر ميللر الأخيرة، فقد استلهم ميللر فكرتها من حادثة كانت محفوظة في ذاكرته منذ ما يقرب الخمسين عاماً، تحكي قصة إمرأة فقدت قدرتها فجأة على السير. المثير في الحكاية، هو أن الأطباء جميعاً لم يعثروا على علة عضوية لشللها، واعتذروا عن إعطائها العلاج المناسب.
هذه الحادثة شغلت الكاتب لفترة طويلة، حالماً بصياغتها في إطار درامي، إلا أنه «لم يعثر على الطريقة في معالجتها»، حسب قوله، لأن ثمة فجوة كان من الصعب ملؤها! لكن، في تأمله المتواصل للحكاية، اكتشف ميللر وعبر أحد السيكولوجيين، أن زوج تلك المرأة كان يرتدي السواد على الدوام، كما لو أنه في حالة حداد دائم على حياته!
صورة الزوجة المشلولة، وصورة الزوج المرتدي السواد، امتزجتا فجأة وبعد نصف قرن في رأس ميللر وتدفقتا في إطار واحد، أولاً بعنوان مبكر هو «رجل في ثوب الحداد»، ومن بعد «الزجاج المحطم».
في هذه المسرحية، ثمة ترميز واضح لأميركا التي تعاني من خلل روحي عميق، وليس من أزمة أقتصادية. أما هذا الشلل الذي ينتشر في جسد هذه القارة، فسببه عقم الروح وموت الحب، والزجاج المحطم هو مجاز لهذا المجتمع الهش السريع الكسر. إن محنة أبطال ميللر تكمن في إحساسهم بأن ثمة خطأ ما، ثمة شيئا مفقودا، في فشلهم في العثور على أثر ما للمعنى، عدم قدرتهم في العثور على مفتاح يحل مغاليق معاناتهم الشخصية، وأخيرا عجزهم الكامل عن تفسير المغزى العميق لتلك الحصارات النفسية والإحباطات، وفشلهم في حل لغز تلك الخديعة.
حين يصبح الزوجان غريبين عن بعضهما البعض، فهذا الخلل يعكس الصدع الأكبر لميكانيزم المجتمع بأكمله، وهذا بالضبط ما عناه ميللر بـ «القلق العام والعصاب الخاص»!
إلا أنه، وهو يرصد نمو ذلك الخلل، يسعى في الوقت ذاته إلى البحث عن سبل لعلاجه، منيطا بالمسؤولية للفرد في أن يمارس دوره من دون أستسلام أو يأس، إذعان أو طاعة.
انطلقت مسرحيات ميللر دائماً من سؤال بسيط: ماذا يحدث حين لا يستطيع الأنسان أن يحقق ولو انتصارا صغيرا في حياته؟ وكاتب مثله يعتقد أننا لسنا بمراقبين مسلوبي الإرادة إزاء مايحدث لنا وما يحدث إزاء التاريخ.
ثمة من يتخلى عن مسؤوليته، وثمة من يقبل بها، أما الخدعة الكبرى فتكمن في ذلك الإيمان الأعمى بأننا ضعفاء، غير قادرين على التدخل في تحديد مصائرنا الخاصة. هذا «الشلل الأخلاقي والسياسي»، يقول ميللر، هو وحده الذي بإمكانه أن يقوّض العالم
 
 
 
 
 
مقتبس
 

No comments:

Post a Comment